قال الجرجاني : الإسراف : هو إنفاق المال الكثير في العرض الخسيس،
وقيل : هو تجاوز الحد في النفقة ، وقيل : هو أن يأكل الرجل ما لا يحل
له أو يأكل مما يحل له فوق الاعتدال ومقدار الحاجة . وقيل : هو تجاوز
في الكمية فهو جهل بمقادير الحقوق .
وقال المناوي : الإسراف : هو الإبعاد في مجاوزة الحد .
# مظاهر الإسراف وأنواعه #
قال الراغب : الإنفاق ضربان : ممدوح ومذموم .
فالممدوح منه ما يكسب صاحبه العدالة ، وهو بذل ما أوجبت الشريعة
بذله ، كالصدقة المفروضة والإنفاق على العيال ............ الخ
والمذموم ضربان : إفراط وهو التبذير والإسراف ، وتفريط وهو
التقتير والإمساك ، وكلاهما يراعى فيه الكمية والكيفية فالأول من
جهة الكمية أن يعطى أكثر مما يحتمله حاله .
ومن جهة الكيفية بأن يضعه في غير موضعه ، والاعتبار هنا بالكيفية
أكثر منه بالكمية ، فورب منفق درهما من ألوف وهو في إنفاقه مسرف،
وببذله مفسد ظالم ، كمن أعطى فاجِرةً درهما ، أو اشترى جمرا . ورب
منفق ألوفا لا يملك غيرها هو فيها مقتصد وببذلها مجتهد ، كما روي في
شأن الصديق أبي بكر _ رضي الله عنه _ وقد قيل لبعضهم : متى يكون
بذل القليل إسرافا والكثير اقتصادا ؟ قال : إذا كان بذل القليل في باطل
والكثير في حق .
أما الثاني : وهو التقتير فهو من جهة الكمية أن ينفق دون ما يحتمله حاله،
ومن حيث الكيفية ، أن يمنع من حيث يجب ، ويضع حيث لا يجب . وليس
الإسراف متعلقا بالمال وحده ، بل في كل شيء وضع في غير موضعه
اللأئق به ، ألا ترى أن الله تعالى وصف قوم لوط بالإسراف لوضعهم البَذْرَ
في غير المَحْرَثِ فقال : ( أَئِنَّكُمْ لَتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النَّسَاءِ بَلْ
أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) الأعراف / 18 ووصف فرعون بقوله ( إِنَّهُ كَانَ عَالِياً
مِنْ المُسْرِفِينَ ) الدخان / 31
# مفهوم التبذير #
قال المناوي : التبذير : تفريق المال على غير وجه الإسراف ، وأصله
إلقاء البذر وطرحه فاستعير لكل مضيع لماله ، فتبذير البذر تفريق في
الظاهر لمن لا يعرف مآل ما يلقيه .
ونقل القرطبي عن الإمام الشافعي _ رحمه الله _ قوله :
التبذير : إنفاق في غير حقه ، ولا تبذير في عمل الخير .
وروي عن الإمام مالك _ رضي الله عنه _ قوله :التبذير : هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه .
# الفرق بين التبذير والإسراف #
الكوفي : الإسراف هو صرف فيما لا ينبغي زائدا على ما ينبغي ، أما
التبذير فإنه صرف الشيء فيما لا ينبغي وأيضا فإن الإسراف تجاوز في
الكمية إذ هو جهل بمقادير الحقوق ، والتبذير تجاوز في موضع الحق إذ
هو جهل بمواقعها ( أي الحقوق ) ، يرشد إلى هذا قول الله سبحانه في تعليل
( النهي عن ) الإسراف ( إِنَهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ) الأنعام / 141 ، وقوله
عز وجل في تعليل النهي عن التبذير : ( إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ
وَ كَانَ الشِّطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً ) الإسراء / 27 . فإن التعليل الثاني فوق الأول .
لقد ذهب بعض المفسرين إلى أن الإسراف و التبذير قد يردان بمعنى واحد،
ومن ثم فقد يرد أحدهما ويراد به الآخر ، ومن ذلك ما ذكره الماوردي من
أن التبذير هو الإسراف المتلف للمال ، وروى أشهب بن مالك أن التبذير هو
الإسراف . وذكر القرطبي في تفسير قوله تعالى ( وَلاَ تُبَذِّرْ ) قال معناها
لا تسرف في الإنفاق في غير حق ، وقال ابن كثير في نفس الآية الكريمة :
لما أمر الله عز وجل بالإنفاق نهى عن الإسراف فيه .
والخلاصة أن بين الأمرين عموما وخصوصا إذ قد يجتمعان فيكون لهما
المعنى نفسه أحيانا وقد ينفرد الأعم وهو الإسراف .
# حكم التبذير #
نقل الإمام مالك _ رحمه الله _ أن التبذير حرام لقوله تعالى : ( إِنَّ المُبَذِرِينَ
كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيََاطِينِ ) الإسراء 27 .
وقال القرطبي : من أنفق درهما في الحرام فهو مبذر ويحجر عليه في نفقته
الدرهم في الحرام ، ولا يحجر عليه إن بذله في الشهوات إلا إذا خيف عليه
النفاذ .
وأبو حنيفة _ رحمه الله _ لا يرى الحجر للتبذير ، وإن كان ( حراما )
منهيا عنه ، وذكر الماوردي أن التبذير هو الإسراف المتلف للمال ، وإن
المبذر يحجر عليه للآية الكريمة ( السابقة ) ، ومن واجب الإمام منعه منه
( أي التبذير ) بالحجر والحيلولة بينه وبين ماله إلا بمقدار نفقه مثله .
# ذكر التبذير والإسراف #
* عن علي بن أبي طالب _ رضي الله عنه _ عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال : " وجهت وجهي للذي فطر السماوات
والأرض حنيفا وما أنا من المشركين . إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي
لله رب العالمين . لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين . اللهم أنت
الملك لا إله إلا أنت . أنت ربي وأنا عبدك ، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي
فاغفر لي ذنوبي جميعا ، إنه لا يغفر الذنب إلا أنت . واهدني لأحسن الأخلاق،
لا يهدي لأحسنها إلا أنت . واصرف عني سيئها ، لا يصرف عني سيئها إلا
أنت . لبيك وسعديك والخير كله في يديك ، والشر ليس إليك . أنا بك وإليك .
تباركت وتعاليت . أستغفرك وأتوب إليك " وإذا ركع قال : " اللهم لك ركعت .
وبك آمنت ، ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري ،ومخي وعظمي وعصبي.
وإذا رفع قال : " اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء وما
بينهما وملء ما شئت من شيء بعد " .وإذا سجد قال : " اللهم لك سجدت وبك
آمنت ولك أسلمت . سجد للذي خلقه وصوره ، وشق سمعه وبصره . تبارك الله
أحسن الخالقين" ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم " اللهم اغفر لي
ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت ، وما أنت اعلم به
مني . أنت المقدم وأنت المؤخر . لا إله إلا أنت " ) رواه مسلم .
* عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " كان رجل يسرف على نفسه ، فلما حضره الموت قال لبنيه : إذا أنا
مُتُّ فاحرقوني ثم اطحنوني ، ثم ذروني في الريح ، فوالله لئن قدر الله علي
ليعذبنّي عذابا ما عذبه أحدا ، فلما مات فغل به ذلك ، فأمر الله الأرض فقال :
اجمعي ما فيك منه ففعلت ، فإذا هو قائم ، فقال : ما حملك على ما صنعت ؟
قال : يا رب خشيتك . فغفر له " ) رواه البخاري واللفظ له . ومسلم .
* عن المغيرة بن شعبة _ رضي الله عنه _ أنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " إن الله _ عز وجل _ حرم عليكم عقوق الأمهات ، ووأد البنات،
ومنعا وهات ، ويكره لكم ثلاثا : قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال ")
رواه البخاري . ومسلم واللفظ له ، وهو في أحمد .
# النهي عن الإسراف والتبذير #
* عن أنس بن مالك _ رضي الله عنه_أنه قال : أتى رجل من بني تميم رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ؛ إني ذو مال كثير وذو أهل ومال
وحاضرة ، فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك ، وتصل أقرباءك وتعرف
حق المسكين والجار والسائل " فقال يا رسول الله ؛ أقلل لي . فقال : " آت ذا
القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا " فقال : يا رسول الله إذا
أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله ، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها ، فلك أجرها
وإثمها على من بدلها " ) رواه اليهثمي في المجمع وقال :رواه أحمد في المسند
وهو فيه ( 3/136) والطبراني في الأسط ورجاله رجال الصحيح .
* عن عبد الله بن عمرو بن العاص _ رضي الله عنهما _ أنه قال : أن رجلا
أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني فقير ليس لي شيء ، ولي يتيم ، قال:
كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل ") رواه النسائي ، وأبو
داود وصححه الألباني .
* عن معاذ بن جبل _ رضي الله عنه _ أنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، لما بعثه إلى اليمن:" إياي والتنعم ، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين)
رواه أحمد .وذكره المنذري في ترغيبه بالفظ "إياك " . والبيهقي وذكره
الألباني في الصحيحية .
* عن أبي خريرة _ رضي الله عنه _ أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا ، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا
تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، ويكره لكم قيل
وقال ، وكثرة السؤال وإضاعة المال ") رواه مسلم .
* عن عبد الله بن عمروا بن العاص _ رضي الله عنهما _أنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:" كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة")
رواه النسائي واللفظ له وقال الألباني حسن . صحيح النسائي .